...

تجويد المدخلات!

 

تجويد المدخلات

حين تضعف المدخلات المعرفية وتفقد اتساقها، يُصاب البناء الثقافي في العقل بالتصدّع؛ إذ لا تقوم المعرفة المتينة على مجرد الكثرة، بل على الجودة والانسجام. فالمعلومات الركيكة أو المتناقضة لا تسهم في إنارة الفكر، بل تُربكه، وتحوّل العقل إلى ساحة تنازع لا إلى نسق منتظم، وبناء متماسك. والأسوأ من ذلك أنّ المعلومة الخاطئة، حين تأتي في وقت مبكر أو تتكرر بكثرة، قد تُفسد المعلومة الصحيحة حين ترد لاحقًا؛ تُضعفها، أو تشوّهها، أو تدمجها داخل بنية مختلّة. وهكذا تتسرب الأخطاء إلى لبّ الوعي، لا لأنها أقوى حجة، بل لأنها أسبق أو أكثر حضورًا.

ولا سبيل إلى النجاة من هذا التهالك المعرفي إلا بالتصفية المستمرة للمدخلات، وتجويدها، نعم تجويدها. فالعقل ليس مرآة صافية، بل هو كائن يفسّر ويؤول ويُعيد تشكيل المعرفة بحسب ما استقر فيه من مقدمات أولى، كما أشار عالم النفس فاخر عاقل بقوله : “المعلومة المبدئية تكون إطارًا ومفتاحًا للمعلومة التالية، وإذا خالفتها المعلومة اللاحقة فإنها تُلوى لتتناسب مع الأولى”.

أرأيتَ كيف تكون جناية المدخلات الركيكة على ما يأتي بعدها ؟!


وصيتي ..

أعرضْ عن تلك التفاهات هنا وهناك في رسال الواتس ومنشورات الفيس وغيرهما، واجعل من عينك جهازًا يلتقط بذكاء وسرعةٍ فائقة (هذا يحدث بالتمرين) فيعرف أن تلك المعلومات تُتجاوز، وذلك النّص يُطوى، وذلك الكاتب يُوضع في عالمِ النسيان!

شارك المدونة

د. عبدالله الشهري

أستاذ العقيدة ومقارنة الأديان في جامعة الأمير سطام بالخرج، كاتب ومدون.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.